خفّة روحه، وتواضعه، وطيبته.. كلها جعلت لناصيف زيتون جاذبية في الحضور، عبَّرت عن كلّ ما لم يستطع أن يعبّر هو عنه بالكلام... كلماته المختزلة وهدوءه، ينتقلان بسلاسة إلى من يجلس معه، ليصبح هو الآخر هادئاً مترقباً التقاط كل كلمة جديدة عفوية سيقولها ناصيف. يعرف ناصيف أنَّ الأرض هي المكان الأكثر ملاءمة لشعور الطيران والصعود، لذلك سيبقى دوماً على الأرض.. لا يريد لشيء أن يتغيّر في تفاصيل حياته..
ناصيف زيتون عاد إلى بلده سورية متوّجاً بلقب «نجم ستار أكاديمي7».. عاد ولا يعرف ما هو مفهوم النجم والنجومية، لأنه يفضّل أن يعرف شيئاً واحداً هو أنه يقوم بفعل شيء يحبه وهو الغناء.. «بلدنا» التقت ناصيف زيتون، وكان هذا الحديث اللطيف معه..
¶ عند لقاء ناصيف زيتون، لن تكون هناك بداية أكثر حميمية من الحديث عن الأسرة التي نشأ فيها..
- أنا شاب سوري مثل كل الشباب، وأعرف أنَّ الحياة ليست سهلة أبداً.. في السنة الثانية في المعهد العالي للموسيقا. وما ترونه الآن هو منذ أربعة شهور فقط؛ فلم يكن عندي أيّ خلفية لأن أكون نجماً.. أنا إنسان طبيعي جداً وكذلك كنت في البرنامج. البرنامج صعب جداً، إذ ليس من السهل أبداً الظهور لمدة أربع وعشرين ساعة في اليوم على الشاشة أمام الملايين، إذ إن لم أكن طبيعياً خلالها سأتعب جداً. ولو كنت غير طبيعي لما كنت أعطيت ما كنت قد أعطيته في البرنامج.. ضغطٌ كبير أن تكون الكاميرا تراقب الشخص كل اللحظات، كذلك التحضير للبرايم، ورسائل الناس، فبعضهم يحب وبعضهم لا يحب.. فكما رآني الناس على الشاشة؛ تماماً أنا في بيتي من ناحية طريقة أكلي وتصرفاتي وكل تفاصيلي الصغيرة.. أمي هي أم مثل كل الأمهات، عائلتي بسيطة، أجلس معها في المنزل، وأسهر معها. لدي أخت اسمها نانسي، وأخ اسمه أنس. أمي سيدة منزل وأبي موظف متقاعد، وأرى أنَّ الله أعطاني نعمة «أكتر ما بستاهل». أنا أعتبر أن بلدي في النهاية هو الذي رفعني وعلّمني، ثمّ أكملت هناك ما اكتسبته في بلدي.
¶ كيف تعاملَ أهلك مع فكرة مشاركتك في البرنامج.. وبدقة أكثر مع دخولك مجال الغناء والموسيقا؟
- أنا كان عندي طموح لدراسة الموسيقا منذ أن أنهيت «البكالوريا»، ولكن أهلي كانوا رافضين الفكرة نهائياً، كان يقول لي أبي مثلاً: «ما لا مستقبل يا بابا...». والأهل يخافون لأنهم يفكرون أنه إن أصبحت موسيقياً فماذا سأفعل؛ إذ توجد حياة أخرى ومسؤوليات كتكوين أسرة والكثير من الأمور التي يفكر فيها الأهل من أجل أولادهم.. لكن أنا كان لدي رغبة شديدة في دراسة الموسيقا؛ فهي الشيء الذي أحبه والذي من خلاله أعبّر عن نفسي... هناك أناس كان لهم الفضل عليّ من دون أن يدرون؛ هم أولئك الموسيقيون الكبار مثل وديع الصافي وفيروز وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب والكثيرون غيرهم ممن كانت تغذيتي الموسيقية عبر الاستماع إليهم. فهؤلاء الكبار درّسونا ووضعونا في مدرسة من دون أن يعرفوا.. دخلت المعهد العالي للموسيقا وكان أهلي أيضاً رافضين الفكرة، وكنت قد سجَّلت في كلية الترجمة- تعليم مفتوح، لكن أوقفت التسجيل؛ لأنَّ الدراسة في المعهد كانت تتطلّب وقتا طويلاً. وعندما وجدوا أنني انتقلت بسهولة من السنة الأولى إلى الثانية في المعهد، اقتنعوا بحبي للموسيقا، وأصبحوا أكثر رضا عن الفكرة «حاببا خلي يكمل...».. ثم أتتني فرصة التقدم إلى برنامج ستار أكاديمي، وكان يجب أن أوقف المعهد لمدة سنة...
¶ هل ستكمل دراستك في المعهد العالي للموسيقا؟
- إن شاء الله.. أنا لدي رغبة شديدة في ذلك؛ لأنَّ أساتذتي في المعهد هم الذين علموني أن تعلم الموسيقا (أو أن يكون الشخص مغنياً) أمر من المفترض ألا يكون من أجل مصلحة ما.. بل ما تعلمته منهم هو أنَّ الموسيقا عالم قائم بذاته، عالم راقٍ وسامٍ وإنساني في الدرجة الأولى.. وهذا الفكر الذي كوَّنته عن الموسيقا، ساعدني جداً ودفعني نحو الأمام وقوّاني أكثر..
¶ بدا من أول ظهور لناصيف في البرنامج ما امتلكه من قوة في الحضور، وأنه ليس مبتدئاً في الغناء والموسيقا أبدا.. هل كان لدراستك الأكاديمية في المعهد تأثير على انطلاقتك القوية منذ أول ظهور؟
- طبعاً. ولو لم يكن هناك تأثير، لم تكن الأكاديمية لتتبع في خطتها الدروس والأساتذة والذين كانوا متميزين جداً..
¶ اجتهادك الذاتي كيف كان؟
- اجتهادي الذاتي كان بأنني كنت من الأشخاص الذين يعشقون الاستماع إلى الأستاذ وديع الصافي، ومن قبل أن أبدأ الدراسة في المعهد العالي للموسيقا.. فلأنني أحب وديع الصافي وتربّيت على أغانيه، لم أجد نفسي إلا وأنا أغني..
¶ أنت، عندما كنت في الأكاديمية، لمن ولمَ كان الحنين؟
- أنا بصراحة أول مرة أعيش خارج الشام كل هذه المدة. أول مرة أكون فيها بعيداً عن أهلي وبلدي لمدة أربعة شهور. خلال الفترة، التي قضيتها في البرنامج، تعبت جدا. أنا هنا في دمشق كل يوم كنت «أتصبح» بساحة الأمويين عند الذهاب إلى المعهد.. الكثير من المشاهد والمناظر كنت أحنّ وأشتاق إليها.. يعزّ علي جداً أن تذهب.. ولن تذهب أبداً.
¶ بين البداية والنهاية دوماً هناك شيء ما يحدث... فوز ناصيف زيتون، يمكن اعتباره بداية ماذا، ونهاية ماذا؟..
- أنا لا أتخيل أنها نهاية لأيّ شيء.. لا أريد لتفاصيل صغيرة أحبّها في طريقة حياتي أن تتغيّر أبداً. أنا أسكن في جديدة عرطوز، فيها علاقات حميمية بين الناس والجيران. الكثيرون يعرفون بعضهم، كما أنني أنزل مثلاً لأقف مساء في الحارة.. وغير ذلك من الأمور البسيطة. أنا لا أريد أبداً أن أفقد هذه الأشياء من حياتي «إن شاء الله يارب كلشي يكون متل ما كان قبل». هذا عن النهاية التي تحدثت عنها. أما الشق الآخر من السؤال (بداية ماذا)، فأنا أرى أن الشخص يكتسب أشياء ومواقف لا يحب أن يفقدها.. أنا اكتسبت محبة الناس..
¶ الآن لقب ناصيف زيتون هو «نجم ستار أكاديمي 7»، هل أنت تمتلك الآن، وفي هذه اللحظة، شعور «نجم» داخلك، وأنت كيف ترى النجم، وهل لقب النجومية الذي يطلقه الجمهور هو معيار للقب نجومية يشعر بها المبدع تجاه نفسه؟..
- بصراحة أنا حتى الآن غير مصدق لما يحدث، أنا لا أفهم ماذا يعني «نجم»، أفهم شيئاً واحداً هو أنني أقوم بشيء أحبه وهو الغناء والموسيقا. ويمكن وجدني الناس جيداً بما أقوم... أنا مثلي مثل كل الناس، والفرق بيني وبينهم أنني أغني لا أكثر... «ماني قابضا كتير هاي شغلة النجم..» صدقيني، ولا أتواضع في ذلك... فعلاً يعزّ علي كثيراً أن يقول لي شخص بعمر أبي: أستاذ. في النهاية «نجم» هو مجرد لقب، يكفي الحصول على محبة الناس، والتي هي شيء عظيم جداً.. أنا سعيد جداً، لدرجة أنَّ هذه السعادة زائدة على الحد، لدرجة أنني آكل قليلا وأبقى متوتراً إضافة إلى قلة النوم. أرى عظمة لا تُقدَّر بمحبة الناس لي، وأستغرب جداً مما يحصل، فأنا أرى أنني كنت شخصاً عادياً جداً، وكل ما يحصل هذه الأيام هو شيء جديد بالنسبة إلي.. «أنا ماني آخد ع كليشة الفنان».
¶ صوت قوي متميّز.. حضور خلاق.. هذا ما تمتّع به ناصيف زيتون. ما علاقة الأخلاق الشخصية بالفن الراقي البعيد عن الابتذال؟..
- الأخلاق هي نعمة من الله. عندما التقيت الأستاذ وديع الصافي سحرت بشدة الأخلاق عنده و»الطبيعية» والتواضع. وذلك ما جعل منه عظيماً فعلاً.. هو إنسان مؤمن إلى درجة كبيرة جداً.. جلس معي وأسمعني عزفاً على العود. أتذكر كلمة قالها لي وديع الصافي ولن أنساها ما حييت: «أنا كلما أعطاني الله أغنية، أنزل من نفسي أكثر».. وأوصاني بأن أبقى على الأرض دوماً.
¶ هل من مسافة نشأت بينك وبين المعهد؟
- لا أبداً، لدي رغبة شديدة في الذهاب إليه الآن وفي هذه اللحظة...
¶ ما هو معيار النجاح لشاب مثل ناصيف؟
- في الأكاديمية أحسست في أول «برايم» إحساساً غريباً. لكن لاحقاً، وبعد أن اختلطنا نحن الطلاب مع بعضنا ومع الأساتذة وأصبحنا نعرف بعضنا أكثر، توضّحت الكثير من الأمور بالنسبة إلي وللطلاب أيضاً.. فما يعرض على الشاشة هو أشياء مختصرة جداً. فمثلا يجب دائماً البقاء في أحلى صورة أمام الناس. وكلما مرَّ الوقت، ومع رؤية ما أقدّمه على الشاشة في الأكاديمية، أصبحت أعرف أخطائي أكثر، وفي أيّ المواقع كان هناك خلل ما من أجل أن أتجنّبه في البرايم الذي يليه. وتجنّب الأخطاء وإدراكها جزء من النجاح.
¶ هل ما حصل من استقبال كبير لك في بلدك، أدخل إلى نفسك شعوراً، ولو بسيطاً، بأنها المرة الأولى التي تدخل فيها إلى البلد الذي يحبّك وتحبه؟
- بعد أربعة شهور من غيابي عنه، لم أحسّ أنها أول مرة أو آخر مرة... كنت «متروحن» جداً لأنني أدخل الآن إلى البلد... كنت أقول لأصدقائي في الأكاديمية: «أنا بدي أرجع ع الشام». وصدّقيني عندما وصلت الحدود ارتحت، أحسست وكان شيئاً ما سقط عن كتفي؛ فها أنا أصبحت بين أهلي وأبناء بلدي.. رائحة الشام ورائحة البلد كلها مختلفة.. أن يقول سوري لسوري: «أنا بحبك».. مختلفة جداً ولها وقع مميز ورنّان...
¶ وأنت هناك في الأكاديمية، من حمل من أكثر؛ أنت أم الوطن؟
- أنا أصغر بكثير جداً من أن أحمل الوطن.. وطني كبير جداً... صدّقيني لا أحد في سورية ينتظرني لأحضر انتصاراً أو أرفع له رأسه أو أحضر له لقباً ما.. سورية بلد الفن، وأتمنى أن يكون العالم أجمع قد رأى «شامنا» عن قرب.. مع أني أثق في أنَّ كل العالم قد رآنا من قبل..
¶ لن أسألك عن حبيبتك، فقد سألوك كثيراً عنها.. أسألك عن الحب؟
- لا أحد يستطيع أن يعيش من دون حبّ...